نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالة رأي للكاتب المغربي أمين أيوب، المحلل في منتدى الشرق الأوسط، تناول فيها واقع العلاقة بين مصر وإسرائيل بعد أكثر من أربعة عقود على توقيع معاهدة السلام. ورغم أن أنور السادات ومناحم بيجن تصافحا في البيت الأبيض عام 1979 وسط احتفاء عالمي، لم يشهد الشارع المصري أي احتفاء مماثل. وقّعت الحكومة معاهدة، لكن المجتمع لم يوقّع على السلام.
خرج ملايين المصريين إلى الشوارع رافضين الاتفاق، بينما وُصف السادات بالخائن في الإعلام العربي. وبعد خمسة أيام فقط، علّق العرب عضوية مصر في الجامعة العربية. هذا الموقف الشعبي عكس ما وصفه الكاتب بأنه سلام استراتيجي، لا اجتماعي، ولا ثقافي، ولا عاطفي.
تعاونت الحكومتان لاحقًا في مجالات الأمن والاستخبارات وصفقات الغاز، لكن العلاقة بقيت باردة ومجردة من أي دفء إنساني. لم تواكب مؤسسات الإعلام والتعليم والدين في مصر توجه الحكومة، بل ظلّت معادية لإسرائيل، ما رسّخ الفجوة بين الرسمي والشعبي.
لا يزال القانون المصري يجيز سحب الجنسية ممن يتعاون مع الصهيونية، فيما تحظر النقابات المهنية أي تواصل مع الإسرائيليين. تواصل المدارس والجامعات تصوير إسرائيل كعدو، وفي 2011 ومع اندلاع ثورة يناير، ردّد المتظاهرون شعار: "جيل ورا جيل، هنفضل أعداءك يا إسرائيل". عاد الشعار نفسه في احتجاجات القاهرة عام 2023 خلال الحرب على غزة، ما أكد أن معاهدة السلام لم تُترجم إلى مصالحة حقيقية، بل كانت صفقة لضمان المصالح.
أراد السادات استعادة سيناء والانفتاح على الغرب، وسعت إسرائيل إلى تأمين حدودها الجنوبية. لكن الطرفين لم يحققا الثقة المتبادلة. وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي، المعروف ببراغماتيته تجاه إسرائيل، شدد مؤخرًا على أن السلام الحقيقي لن يتحقق قبل قيام دولة فلسطينية.
وقّعت مصر اتفاقيات اقتصادية وزراعية مع إسرائيل، لكنها أبقت ذلك بعيدًا عن الأضواء. السياحة والثقافة والتبادل الشعبي بقيت شبه معدومة، بينما اقتصر التنسيق العسكري في سيناء على السرية التامة، لأن الرأي العام المصري لا يحتمل أي انفتاح معلن على إسرائيل.
حذّر الكاتب من وهم اعتبار معاهدة مصر نموذجًا ناجحًا للتطبيع العربي الإسرائيلي. دعا إلى التمييز بين الصمت الشعبي والدعم الحقيقي، وبين المعاهدات الرسمية والمصالحة المجتمعية. وأكد أن السلام لا يصمد ما لم يتجذر في وجدان الناس.
أشار أيوب إلى أن جيلًا جديدًا من العرب، بفضل الإعلام الرقمي والتعليم والانفتاح، بدأ يتجاوز الكراهية التقليدية. واعتبر أن اتفاقيات أبراهام برهنت على إمكانية التطبيع الحقيقي إذا اقترن بالشفافية والمكاسب المشتركة.
لكن مصر لم تسلك هذا المسار. وقّعت معاهدة لكنها لم تغيّر سرديات العداء الراسخة في إعلامها وتعليمها وخطابها الديني. لهذا السبب، لا يمكن لأي اتفاق أن يحقق تطبيعًا فعليًا ما لم تعالج المجتمعات العربية جذور العداء.
ختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أوقفت الحروب لكنها لم توقف الكراهية. وإذا أراد العالم سلامًا حقيقيًا في الشرق الأوسط، فلا بد من بنائه بصراحة وعلى أسس مجتمعية، بعيدًا عن الأبواب المغلقة.
https://m.jpost.com/opinion/article-855881